الوطن بعيون الملك * د.ابراهيم الشرايده

منذ اللحظه الاولى التي تولى فيها الملك عبدالله سلطاته وادارة شؤون البلاد. كانت هذه اللحظه محطه حاسمه ومفصليه في تاريخ الاردن. حيث شهد ازمه اقتصاديه غير مسبوقه كانت تهدد كيينونته واستقراره. الامر الذي حذى ببعض الاصدقاء هنا وهناك لتقديم بعض المساعدات العاجله وايداع بعض الاموال في البنك المركزي.وكان من اهم المعوقات التي تعيق اصلاح الاقتصاد تتمثل بالقطاع العام والشركات المملوكه للدوله والتي استشرى فيها الفساد المالي والترهل الاداري واضحت عبئا ثقيلا مكلفا للخزينه وعائقا كبيرا امام تعافي الاقتصاد الوطني.

وازاء هذه التحديات الحقيقيه استعان الملك بخبراء الاقتصاد والاداره من الخارج والداخل لايجادالصيغه او المشروع المناسب للخروج من هذه الازمه العاصفه. واستقر رأي الخبراء على اقتراح مشروعين لا ثالث لهما واجزموا على ان ابقاء الحال على ماهو عليه يشكل خطرا حقيقيا على الاقتصاد الاردني بل على بقاء واستمرار الدوله. اماالمشروع المقترح الاول فيتمثل بقيام الدوله بحمله شامله لاعادة هيكلة الاقتصاد الاردني, وضخ الكثير من الاموال لتطهير و تطوير وتحديث القطاع العام والشركات والمؤسسات المملوكه للدوله.الا ان هذا المشروع قد يواجه برفض شعبي كبير اضافه الى تكلفه اقتصاديه وسياسيه قد تكون باهظه, والى جهود خارقه وغير عاديه. لهذه الاسباب اعتبر هذا المقترح خيالي وغير قابل للتطبيق وربما ليس للاردن القدره الماليه وربما الجرأه على تطبيقه.

نتيجه لذلك تبنى الملك المشروع الاخر وشرع بالمباشرة به ايمانا منه بانه سيكون مشروع الانقاذ للاقتصاد الاردني. وكان المشروع يتمثل بخصصة القطاع العام المتأكل والشركات المترهله وايجاد المستثمرين الراغبين بالمغامره باستثمار وتطوير وتحديث هذه الشركات. ولذلك اجتهد الملك لاختيار مجموعه من الاقتصاديين الشباب لمساعدته على اتمام المشروع الحلم,الذي لم يكن تطبيقه بالامر اليسير. حيث بذل الملك جهودا جباره وفوق العاده لجذب المستثمرين من خلال المشاركه في المؤتمرات والفعاليات الاقتصاديه العالميه و استضافة مؤتمر دافوس بالبحر الميت اضافه الى الجولات المكوكيه على بعض العواصم العربيه والغربيه. وكان سيترتب على نجاح مشروع الملك تخلص الاقتصاد الاردني من اعباء هذه الشركات وتجنب الفاتوره الباهظه التي تترتب من بقاءها مملوكه للدوله. اضافه الى العوائد المجديه المتوقعه من جراء بيع هذه الشركات وما يترتب عليها من ضرائب .الامر الذي سيكون له الاثر الكبير على تعافي الاقتصاد الوطني ويفسح المجال للدوله بالاستمرار بمشاريع التنميه وتطوير الخدمات.

وكاد لهذا المشروع ان ينجح وكادت تكلل جهود الملك لولا ان هذا المشروع وقع بين فكي كماشه استطاعت ان تحبط المشروع الوحيد الذي ربما كان سيشكل نقله نوعيه للاقتصاد الاردني ويحرره من رهن استجداء المساعدات الخارجيه والتي غالبا ما تكون مقرونه بالشروط والهيمنه والاملاأت. ففك الكماشه الاول كان يتمثل بما يطلق عليهم"الحرس القديم" الذين شنوا حملة شعواء على هذا المشروع منذ الاعلان عنه مستعينين ببعض منابرهم وما تيسر لهم من احزاب المعارضه والمناكفه السياسيه. حيث استطاعوا تأجيج الشارع الاردني وتأليب الرأي العام وتصوير المشروع بالمؤامره على مقدرات الوطن وان الاستمرار به يعد خيانه عظمى لا تغتفر. وكأن هذا القطاع وهذه الشركات تدر لبنا وعسلا على الاقتصاد الوطني بحيث يعد خصخصتها تفريطا وعماله. الا ان حقيقة الامر لا يتعدى عند "الحرس القديم" سوى صراع بقاء وحرب على النفوذ ومراكز القوى. فهم الذين اوصلوا هذا القطاع وهذه الشركات الى ما ألت اليه,وهم المستفيدون وحدهم من فسادها وترهلها و بقاءها على حالها. كما ان المشروع يشكل حرمان لهم من منافعهم ونفوذهم ومراكز قواهم. اما الفك الاخر فتمثل بالطاقم الذي جلبه الملك ليكون عونا له في تطبيق المشروع. فكثير منهم كانوا يتمتعوا بالخبرات والقدرات والوطنيه المطلوبه الا ان بعض منهم اتسم بالضعف وقلة الخبره , وبعض اخر لم يمنعه كثير الورع وكثيرالانتماء من التنفع والتربح والاستفاده من المشروع. فأساؤا الى المشروع وكانوا عاملافاعلا في فشله بدلا من نجاحه.

وهكذا بين طغيان "الحرس القديم" وفسادهم وبين اطماع "الليبراليون الجدد" وضعفهم ضاع مشروع الملك......وربما ...ضاع وطن.